اسماء نسور لقمان, لمقدمة في الافتتاح، تدور حكاية اليوم حول شخصية لقمان بن عاد، والحقيقة المتعلقة بها غير معروفة، هل هي واقعية أم من نسج الخيال، غير أنه تم ذكرها في مصنفات مؤرخي العرب كالطبري وآخرين في كتبهم. مثل هذه الروايات تُشاهد مثلاً في “تاريخ العرب قبل الإسلام” حيث تناولت هذا السرد بالتفاصيل، وكذلك يُشار إلى ذلك في كتاب “التيجان في ملوك حمير”.
قصص انتقلت عبر الأجيال عن نسور لقمان
إذًا، يا عزيزي القارئ، لا تجزم ولا تصدق كل ما يُقال، علمًا بأن هناك ميلاً نحو القصص الأسطورية، فقد اتفق بعض المؤرخين على أسطورية طابعها. وتبرز الكثير من الاختلافات بين المؤرخين حولها، لكنها في النهاية تُعدّ واحدة من القصص والروايات العديدة التي يتناقلها العرب، وحقيقة مصداقيتها لا يعلمها إلا الله.
أود أن أخبرك أيها القارئ بأن حديثنا اليوم ليس عن لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وإنما عن لقمان الحكيم شخصية أخرى. ففي التاريخ العربي يوجد شخصيتان للقمان الحكيم. شخصيتنا للحديث اليوم هي لقمان بن عاد الذي يُعرف في التراث العربي بلقب “العرب البائدة”. كان لقمان صاحب مقدرة بدنية تعادل قوة مئة رجل، وحكمة توازي حكمة مئة آخرين، وقد كان يسعى لاكتشاف أسرار الحياة والخلود.
ويُروى أن لقمان بن عاد عاش على الأرض زهاء الثلاثة آلاف سنة، مما يجعله من طويلي العمر في الأرض. ويُقال إنه كان الناجي الوحيد من قوم عاد بعد أن أهلكهم الله لحكمة يعلمها هو وحده. واليوم نعتزم الحديث عن لقمان بن عاد والسبع نسور. لكن من المهم أن تعرف أنه في تلك الأزمان، كان لقوم عاد رسول هو نبي الله هود عليه السلام، الذي جاء قبل نبي الله إبراهيم. وكانت الكعبة المشرفة لم تُبن بعد، وإن كانت قواعدها موضوعة – وهناك اختلاف في الروايات حول من وضع تلك القواعد، سواء كان الملائكة أم نبي الله آدم. لكن في تلك الفترة كانت قواعد الكعبة قائمة، وكان قوم عاد يتبركون بها.
القصة :
تتناول قصتنا حياة لقمان بن عاد، الذي تمتع بمكانة عالية ومهابة وذكاء وحكمة، وكان له أخ يُدعى شداد بن عاد يتولى حكم شعب عاد، وفي ذاك الوقت كان هو أيضًا ملكًا للعرب. يُذكر أن مملكتهم كانت تقع في منطقة الأحقاف التي تُعرف اليوم بأنها بين اليمن والمملكة العربية السعودية وعُمان. لقمان بن عاد كان مختلفًا عن قومه؛ إذ كان يتمتع بجسد ضخم وقوة بدنية هائلة، وكان يُعرف بحكمته العميقة، مما جعله شخصية فريدة في عصره. بلغ مدى تميزه أن الناس قالوا إنه يمتلك قوة مائة رجل وحكمة مائة رجل.
في ذاك العهد، حين أُرسل النبي هود إلى قوم عاد لدعوتهم إلى توحيد الله، لم يلبي دعوته سوى جماعة ضئيلة من بينهم. بسبب ذلك، غضب الله على قوم عاد، فحرمهم من نعمة المطر، ومُنعت الأرض من إنبات النباتات، وسادت الجفاف الشديد. لذا قرّر بعض المؤمنين برسالة النبي هود، بمن فيهم لقمان بن عاد، الخروج إلى الكعبة طلباً لتنزل الأمطار. غير أن لقمان تميّز بدعائه المغاير لدعاء قومه؛ إذ كان يناجي قائلاً: “اللهم يا مالك البحار الزُمردية والأرض المنبتة بعد القحط، أسألك حياةً تتجاوز الأعمار”، مُعبرًا عن رغبته في تمديد حياته.
بعد نداء لقمان ابن عاد، استمع إلى صوت يناديه قائلاً: يا لقمان، لقد استجيبت دعوتك، ولكن ليس هناك مجال للحياة الأبدية. ثم أبلغه باختيار واحد من ثلاثة أشياء ليتحدد به عمره: الأولى سبع بقرات، والثانية سبع حبات تمر، والثالثة سبع نسور. لكن لقمان ابن عاد اختار أن يتصل عمره بالسبعة النسور، بمعنى أنه سيكون برفقة نسر، وإذا مات نسر، سيأتي نسر آخر وهكذا حتى ينتهي إلى النسر السابع، وعند موت النسر السابع سيموت معه لقمان. والسبب وراء اختيار لقمان ابن عاد للنسور، هو أن النسور تعد من الكائنات التي تتمتع بأعمار طويلة على الأرض.
توجه لقمان بن عاد إلى الموقع الذي جاءه منه الصوت أو النداء، حيث كان هناك من يناديه قائلاً: “يا لقمان يا مخدوع في دوام حياة النسور”، حتى اكتشف لقمان عشاً لنسور فيه صغيران. فاختار لقمان أحدهما وأطلق عليه اسم “المصون” وبدأ يرعاه، إذ كان يولي اهتماماً كبيراً بغذائه وشرابه وصحته، لأن عمر هذا النسر مرتبط بحياة لقمان نفسه.
توفي شداد بن عاد، أخو لقمان بن عاد، وتولى لقمان الحكم على العرب وقبيلة عاد. كان لقمان رجلاً مسدداً بالحكمة، مما جعل كافة العرب والقبائل يلجأون إليه لتسوية خلافاتهم ونزاعاتهم. من هنا، انشغل لقمان بن عاد عن رعاية نسره الذي لم يهمله منذ بداية عمره، حتى وافته المنية. حزن لقمان بشدة على وفاة نسره لأنه كان يدرك أن أيامه بدأت تقل.
سمع لقمان نداء المنادي يخبره أنه إذا تسلق الجبل سيجد ما يعوضه. فعلاً، توجه لقمان بن عاد إلى الجبل وصعد، حيث وجد عشًّا به صغيري نسر، فأخذ واحدًا منهما وأسماه “عوض” ليحل محل النسر الذي مات. أخذ لقمان يقوم بتربيته، يعتني بأموره الغذائية والصحية، وبدأ يتيح له الطيران الحر ثم يستدعيه ويعود إليه، وهكذا نما النسر وكبر. لكن في إحدى المرات، عندما أراد لقمان تحرير النسر “عوض” ومناداته لتقديم الطعام له، جاء النسر مسرعًا واصطدم بجناحه بغصن شجرة فهوى إلى الأرض وتوفي.
نادى المنادي “اصعد إلى الصفا وستجد ما تخلف”، وهناك وجد لقمان صغيري نسر، فأخذ واحدًا منهما واهتم برعايته وأطلق عليه اسم “خلف” ليكون بمثابة بديل. وفي تلك الأثناء، قام لقمان بصنع قفص للنسر “خلف” كي يحمي حياته، ويُذكر أن لقمان أول إنسان صنع قفصًا لطائر. بدأ يعتني بالنسر إلى أن شبّ عن طوقه.
وكان لقمان يأخذ “خلف” معه إلى كل مكان ولا يفارقه أبدًا. وذات يوم، وبينما كان لقمان يسير بجانب النسر، تجمهرت حوله القبائل العربية، إذ كانوا يرون في لقمان اسطورة وحاكمًا للعرب، قويًا وحكيمًا ومروِّضًا للنسور، خاصة وأن تربية النسور في الأسر مهمة شاقة. فبدأت القبائل تتأمل النسر عن كثب، ولكن عندما عاد لقمان إلى قصره وجد النسر في حالة مرضية شديدة، فنفق. فحزن لقمان بمرارةٍ لأنه علم أنه خسر بموت النسر ثلاثًا من سنوات حياته.
وكما حدث سابقاً، دعاه المنادي وتناول صغير نسر فأطلق عليه اسم المغيب وكان الرابع وتوفي أيضاً، بعد ذلك دعاه المنادي مرة أخرى وأخذ صغيراً آخر من النسور فأسماه المسرة وهو الخامس وقد توفي كذلك، ثم استدعاه المنادي فأمسك بفرخ نسر وأطلق عليه اسم أنس وكان السادس وفارق الحياة، وأخيراً دعاه المنادي واختار فرخ نسر آخر أسماه لبد وهو النسر السابع والأخير.
تحتوي الكلمة “لبد” في اللغة العربية على معنى الظهر ويُستخدم أيضًا للتعبير عن العمر. بدأ لقمان بن عاد في تجاهل كل شيء في حياته سوى العناية بنسره لبد، بحيث أهمل في نفسه وأولى اهتمامه الكامل بالنسر. استطاع لبد أن يعيش لغاية مرحلة الشيخوخة، حيث يُقال أنه عاش لألف سنة برفقة لقمان بن عاد، ويُعتقد أنه كان أطول النسور عمرًا على وجه الأرض. عندما عجز لبد عن الطيران أو الحركة وأوشك على الموت، حمله لقمان في يديه، محاولًا تشجيعه بالقول “قم يا لبد، فأنت الأبد، العمر معك لا ينقطع، قم وشدد عزمك.”
في النهاية، مات لبد النسر السابع والأخير. علم لقمان بن عاد أن وقت وفاته قد حان، فأصبحت ظهره يجتاحه الجمود وسقط على الأرض ميتًا، ويُقال إنه توفي عن عمر يناهز الثلاثة آلاف سنة، وهناك من يقول بأنه دُفن بجانب النبي هود عليه السلام.
روايات وقصص اخرى تخص لقمان بن عاد :-
يُحكى أن لقمان بن عاد هو أول من نفذ حكم السرقة والزنا، حيث جاءت الأخبار في الروايات أن هناك قبيلة بإسم قبيلة بني كركر التي اشتهرت بالخداع والرياء والخيانة، وكانت تتسبب في الأذى لكل القبائل المحيطة بها، لذا أجمعت هذه القبائل على ضرورة التخلص من قبيلة بني كركر. فلجأت القبيلة المهددة إلى لقمان، طالبين مساعدته، وانتقلوا ليعيشوا بالقرب منه حتى يحظوا بحمايته. يُروى أن لقمان بن عاد منحهم الأمان بالفعل وتزوج من امرأة يُقال لها السوداء، والتي كانت تُعتبر من أجمل وأبهى نساء كل القبائل العربية، وكان لقمان يغار عليها غيرة شديدة، إلى درجة أنه ترك القبائل وانعزل في كهف بأعلى الجبل وعاش هناك مع تلك المرأة.
كان لأبناء عاد احتفالية يتجمعون فيها ويتمتعون بالمحفل جميعًا، وشارك لقمان بن عاد مع زوجته ذات البشرة السمراء في هذا الاحتفال مع القبائل الأخرى. إلا أن هناك رجلًا يُدعى الهميسع بن السميدع قد وقع في حب زوجة لقمان، وبعد انتهاء العيد استأثر الهميسع بصحبة الزوجة السمراء. وعندما رأى لقمان بن عاد ما تم، أقدم على إلقاء الاثنين من أعلى جبل، مطبقًا بذلك حد الزنا وهو أمر كان غير مألوف في تلك الحقبة بالنسبة لهم.
انتهى بنا الرصيد القصصي وما سُطّر في الحكايا والأدب عن شخصية لقمان بن عاد، وذُكرت هذه الأحداث بأسلوب سهل وموجز.
للمزيد من القصص تابع موقع حنكة.
